مدرس القرآن الكريم.. قبلة الكثيرين طيلة العطلة الصيفية

الإثنين, 10/09/2018 - 11:25

تحتضن المدارس والكتاتيب القرآنية في كنفها الناشئة بكل حنو ومحبة لينهلوا ، من معينها الزلال ، وذلك حين تغلق المدارس النظامية أبوابها مؤذنة بعطلة صيفية طويلة ، قد تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر متتالية .
وبينما يباشر الطلبة القدامى مرحلة جديدة من مشوارهم المبارك ، نحو حفظ وختم المزيد من سور وأحزاب كتاب الله الكريم ، يتلقى البراعم الجدد درسهم الأول من تعلم حروف الأبجدية العربية .
ويطلق الموريتانيون مصطلح "قراءة اللوح" على ذهاب الطفل في وقت مبكر من عمره لتعلم مادة القراءة والكتابة على يد شخص متمرس في ذلك الفن النبيل ، يسمونه "گراي اللوح" .
وتحظى فئة مدرسي كتاب الله من كلا الجنسين بسمعة طيبة واحترام واسع في المجتمع ورهبة في قلوب الصغار يمليها حب التعلم و تقدير المعلم؛ فالمدرسون شأنهم عظيم ومرتبتهم رفيعة في النفوس .
وقديما ، أيام كان المجتمع فرگانا من البدو الرحل ، تجوب مجموعاته أطراف فضاءات صحراوية مفتوحة انتجاعا للماء والكلأ ، تولت النساء بكل جدارة واقتدار مهمة تعليم الناشئة فنون القراءة والكتابة ، ليصبح الصغير بعد وقت وجيز مؤهلا لارتياد حِلق الدرس ومجالس العلم القويم ، المنثور على مائدة المحظرة الشنقيطية الفريدة ، التي أتحفت العالمَين العربي و الإسلامي بعلماء جهابذة في شتى فجاج علوم الدراية والرواية .
واستحضارا لتلك التقاليد العريقة ، ووصلا لحلقات الماضي بالحاضر بغية استشراف مستقبل أنقى وأبهى للأجيال القادمة ، يختلف الصغار إلى "گراي اللواح" كلما سنحت فرصة بذلك؛ وخصوصا خلال عطلة الخريف السنوية ، التي يكثر فيها الإقبال ، بشكل عام ، على دراسة القرآن الكريم وعلوم النَحو واللغة والأدب ، ونحو ذلك .
وفي طريقهم للكتاتيب الأهلية يترك الأطفال جميع مخترعات التكنولوجيا ، من أقلام جافة وكراريس ، خلف ظهورهم.. وعوضا عن ذلك، يتأبط الصغير أدوات تقليدية الصنع بالكامل ، يمكن إجمالها في لوح خشبي يقتنى جاهزا من السوق المحلية.. بالإضافة لقلم بدائي ، يعده الطالب لنفسه، مما تجود به البيئة من حوله . وغرسا لقيم الاعتماد على النفس ، يقوم الصغار بتحضير الدواة عبر خلط مزيج طبيعي ، مكون أساسا من الصمغ العربي ، والقليل من مسحوق مادة الفحم ، بواسطة قطرات معدودات من الماء .
وهكذا ، في جو تطبعه السلاسة والبساطة ، تكتمل الترتيبات لمباشرة وقائع درس قرآني ، يتجدد وفق منهجية تقليدية متوارثة ، فيتحلق الأطفال حول الشيخ المعلم وما هي إلا لحظات حتى تتمازج الأصوات ، واللكنات وتعلوا ، رويدا رويدا، في جوقة قرآنية مهيبة ، يتناهى رجع صداها إلى المسامع من مكان بعيد .

محمد فـــــــاضل محمد

البث المباشر إذاعة القرآن الكريم