اكتسحت المطاعم الحديثة، ومحلات بيع الوجبات السريعة واجهات معظم الطرق والشوارع الرئيسية بالعاصمة نواكشوط، وهو مظهر صحي يألفه الناس في جميع مدن، وحواضر العالم الكبرى في هذا العصر.
وفي اللوحات التعريفية، يحمل كثير من هذه المحلات مسميات وافدة، تحيل إلى شخصيات ووقائع تاريخية وأماكن غريبة لا خيط يربطها بتاريخ ورموز وثقافة البلد المستضيف "موريتانيا".. وهو أمر يبعث على التساؤل؟؟، ويثير الاستهجان!!!..
ولا تخطئ عين المتجول داخل أحياء المدينة الراقية منها والشعبية، على حد سواء، محلات ومطاعم يديرها مقيمون، ووافدون، وقد تسمت بعمل درامي من المطولات، التي بثت على إحدى الفضائيات؛ أو باسم مغن راپ؛ أو بكنية لاعب كرة قدم يفتن ذكره عقول عشاقه؛ وغير ذالك من غريب التعريفات الإشهارية.. دون أن نغفل انتحال كثير منها لتسمية محلات عالمية، ومحلية معروفة، ما يشكل تعديا خطيرا على الملكية الفكرية للآخرين.
ومن جانب آخر، تأتي قائمة الوجبات المقدمة من طرف هذه المحلات متناغمة مع الشعارات الخارجية، نشازا لا ترقب إلا ولا رحمة في متطلبات الذائقة المحلية.. فأسماء الأطعمة والمشروبات المدونة في القوائم جميعها مستجلبة " فكرة وتصميما وإعدادا.. لا تراعي في شكلها ولا مضمونها الخصوصية المناخية لسكان البلد، ولا طبيعة النمط الغذائي السائد في المجتمع .. وهو ما يفسر، حسب بعض المراقبين، ظهور الأمراض الغامضة، التي لم تكن معروفة في الأجيال السالفة.
صحيح.. أن بعضا من هذه المحال يساهم، وإن على استحياء، في الحد من تفشي ظاهرة البطالة بتوفيره لفرص عمل عديدة، استفاد منها شباب كان حظهم من التحصيل المعرفي محدودا، حيث وجدوا في كنفها فرصة للحصول على لقمة العيش بشرف.. علاوة على إضفائها على المدينة مظهرا عصريا زاد من جمال، و فخامة بعض الطرقات بقلب وأطراف العاصمة.. لكن هذه الإيجابيات الخجولة لا تمنع من تفحص خواء النصف المتبقي من الكأس.
إن الانفتاح على الآخر حاجة، وواقع فرضته العولمة؛ واحتضان جميع الزوار، والمقيمين، والمستثمرين والاحتفاء بهم موضة تجتاح العالم، و إن كنا ملزمين بالتناغم مع هذه السمفونية العامة التي يتراقص على إيقاعها العالم من حولنا.. فمن المهم، هنا، الوعي بخطورة الاندماج الكلي، والتنبه لمضار الارتماء الحر في سفوح عادات وطقوس الوافدين؛ والوقوع في حبائل نماذجهم العاداتية المفضية، في آخر المطاف، إلى التنصل من العادات الغذائية التقليدية المتوارثة، البسيطة في تحضيرها ومكوناتها، والتي عمرت مئات السنين، ومازالت تعيش بأعماقنا، وكأنها تناهض محاولاتنا الفجة لنسيانها، وطي صفحتها العطرة بمعاني الخصوصية الضاربة في جذور البيئة والطبيعة الصحراوية للمجتمع.
وفي ظل مساع الوافدين لتوطين عاداتهم الغذائية في يوميات المواطن البسيط، باتت المحافظة على هوية الطبق التقليدي الموريتاني مسؤولية مشتركة يقع ثقلها علينا جميعا، لأنه خلاصة عصف ذهني محلي خالص، والإرادة في حفظه من الضياع و التلاشي، يجب أن تضارع تشبثنا بكل المقومات، التي تتضافر لتشكل مجتمعة شخصية الهوية الوطنية الجامعة لكل الموريتانيين.